محطة من ذكريات الإعتقال
إرتبط تاريخ 11/11 في الذاكرة الإنسانية بالعديد من الأحداث، ولعل أبرزها إتفاقية إنهاء القتال في الحرب العالمية الأولى في 1918/11/11، وتحتفل بعض الدول كالمملكة المتحدة بدقيقة صمت في هذا التاريخ لغاية يومنا هذا.
وقد يكون لهذا التاريخ المميز ذكرى مميزة لدى بعض الناس، وقد أستذكرُ حدثًا شخصيًا عايشتُهُ منذُ (43) عامًا حينَ كنتُ معتقلًا سياسيًا مع بعض الإخوة في سجون النظام السابق، حينَ إعتُقلتُ من مقاعد الدراسة في حزيران عام 1981، لأصبح سجينًا مسلوبَ الحرية الجسدية، إلا أن حرية المعتقد والأفكار لا تقيدها القضبان مهما طال الزمن.
في أيام السجن ولياليه الطويلة، لا يملكُ المرء إلا الأمل والرجاء في أي بشارةٍ يتشبثُ بها للخلاص، وقد كان معنا في المعتقل أحد الإخوة ممن نتوسمُ فيهم الخير والصلاح (أُعدمَ بعد ذلك ونحسبهُ شهيدًا عند الله)، تفاءل هذا الرجل بأنهُ قد رأى رؤيا تبشرهُ بأن تاريخ 1981/11/11 سيحملُ لنا أمرًا جديدًا، وكان قد مضى على إعتقالي قرابة خمسة أشهر، عانيتُ فيها الأمرّين من مصيرٍ مجهول بعيدًا عن الأهل.
تفاءل المعتقلون خيرًا بهذه الرؤيا، منتظرين حلول هذا التاريخ، لعل الرؤيا تُصبح حقيقة، وما أن حلّ هذا اليوم إلا ونُفاجأ بأن باب المُعتقل يُفتح ليدخلَ (حلاقون) مُكلفون بحلاقة شعور المعتقلين ولِحاهم، وقد كان هذا الإجراء يتمُ للمعتقلين الذين يُعرضون للمحاكمة بعدها بيومٍ أو يومين، وقد طلبتُ من الحلاق أن يحلق لي شعري ولحيتي بالكامل، فقد عانيتُ من طولهما كثيرًا على مدى أكثر من خمسة أشهر.
كان هذا اليوم بمثابة بارقة أمل لنا جميعًا، منحنا شيئًا من الراحة النفسية وبعض القوة لتحمل عناء الإعتقال، آملينَ بأن يكون الفرجُ قريبًا، ولم يطل إنتظارنا طويلًا، فقد رزقني الله الحرية من المُعتقل بتاريخ 1981/12/16.
فعلًا صدق قول الشاعر:
أعللُ النفسَ بالآمال أرقُبُها ….. ما أضيقَ العيشَ لولا فُسحة الأملِ.
عمر البرزنجي
2024/11/11